عدد المساهمات
من طرف نوماً هنيئاً
قالت له: "أشعْر بأني ميتةٌ يا دكتور !.. لطالما تحملت الكثيروصبرتُ على الأكثر انغماساً بالمرارة ,. لطالما نبشت عن أحزانهم وقتلتها , وفي حُزني أنا لم استطع قتل نملة !.
أصبحت أماً في سن مبكرة .. بعد مرض قد ألم بأمي فالتهمها موتاً ,
ولم يتلذذ أبي بالزواج من أخرى تتحمل بضع المسئولية عن كاهلي الطفولي ..
بدوت طبيبة في مرضهم .. خادمة في انشغالهم .. وأماً في بكائهم .. ويداً بيضاء في ضيقتهم .. كنت الكبرى يا دكتور , جميع الأخطاء معلقةٌ بصدري شيوعاً وعقاباً , حتى بدا جسدي ملطخاً بأصناف الألوان والكدمات التي لم يستطع العمر لها نزوحاً .. وكان أبي قاسياً جداً جداً ..!!
فاشلة بدراستي منذ الإبتدائية .. رسبت كثيراً ولا أكاد أنجح إلا بعد معرفة المدرسة بمعيشتي البكَاءة .. إلا في مادة "التعبير" أشرقت متفوقة بها !
مميزة في إلقاء القصائد والاحتفالات .. ولكن شكلي البئيس لم يعرج لي بالبروز , وبعد مضي العمر دخلت الجامعة .. كنت انطوائية ومثاراً لأن يحمد الجميعُ الله على نعمته ..
أذكر أن إحداهن قد أينعت بإخباري أنه علي الإهتمام بحالي قليلاً وإلا لن يتقدم أحد لخطبتي بهذا الشكل !
هل تعلم ماذا رددت عليها يادكتور ؟! ابتسمت ببلاهة وهل لي أن أحلم بحلم بهكذا حلم ؟!
هذه الأحلام كبيرة لمن هم بمثل حالي .. ولا يتسع لها صدري فكيف بي أذيبها تحقيقاً ..
في هذه الفترة بدأت أعشش بحروفي الأسطر.. وأنمي لوهج الحروف طريقاً أدبي , إثر بعثرة بما في جوفي وبعضٌ آخر قد بتلته من أوهامي !
بعثت أول نص لإحدى المجلات عفوياً , فنشرتها فوراً .. ابتسمت حالما رايتها في الصفحة الخامسة تتضلع مكانها , لو تعلم يا دكتور كم شعرت خلالها بالنشوة !, فأخذت بإتمام الكتابة والإرسال .. حتى بعثرت أول كتاب ٍ موقع بإسمي , بمساعدةٍ سخية من مديرة تحرير المجلة ..
أ
مسيت أخرج النحيب المتراكم في صدري في عيني قبيل صدري .. بانزلاق ورقي , ومايلبث يوماً حتى تتسابق الوجهات الإعلامية لامتلاكه !
هه ! لم يعلموا أنني أنفطر على تلكم الأوراق شجناً أسود ! وأنني أصدح بصمتِ لساني وثرثرةً عليهم .
وبعد اقتفاءات الجامعة , تخرجت بمرتبة لا بأس بها .. فتوغلت في منصب ""مرشدة طلابية"" في إحدى المدارس الثانوية
..
راتبي الجيد ساعدني لأتدثر بالاهتمام بذاتي رويداً رويداً , فارتفعت معاني الحياة بداخلي !
حاولت أن أجعل من هذه المدرسة عالماً جديداً محلى بالتفاؤل وسمات الابتسام , ولكن جراحي المتفتقة مجدداً رغم أن كمد النسيان لم يتسع قليلاً أن يرغمها للإنصات إليه ..باحتواء تكوين الأنين من حولي , آثرت إلا أن ترديني رمادية من جديد ..
أصبحت المناص للجميع !..
هذه تخبرني كم مرة قد صرخت والدتها في وجهها .. الأخرى تبكي لأن والدها قد تشبث بالجشع ليجعل من ابنته كفيفة بالزواج من تاجر عجوز ! والبقية تندب أوردتهم مابين يتم وفقر ..
حتى صديقاتي المعلمات أصبحن يردن إليّ كلما تنازعت إحداهن مع زوجها !
أدرك كم علي أن اصطبر .. ولكن ارتدادات الرياح تأتي معاكسة لجلبابي فتنتزعه لعراء الغربة رغم أن العالم من حولي يتكاثرون !
همشت حياتي الورقية .. أو ربما وقتي هو من همشها , حتى ماتت وسيلتي الوحيدة في التحدث .. وصرت استمع واستمع واستمع , آآخٍ لو كنت امتلك عشر آذان يا دكتور ! لما اضطررت لابتلاع مسكنات الصداع كل ليلة ..بل لو كنت أمرأةٌ غيري ؟ هل سأكون تعيسة هكذا ؟!
أنا متعبة يا دكتور .. في المدرسة عشرات , بل مئات الأناس قد اتخذوني أداة لتفريغ شحناتهم اليومية ..وفي المنزل أداة للعمل والاستماع وممارسة منصب الزوجة والأم والأخت والأخ ! تتوسدني ملامح الجنون اقتراباً .. أو ربما التصقت ! بدأت أستغل مرحلة إقامة الغميضة بين اخوتي لأبكي نطفتين من دمع وبعض نشيج .. لكنها لم تشف لي وجعاً .. سوف أجن يا دكتور .. بل جننت ؟ اخفض الدكتور رأسه ثم تنفس الصعداء .. رفع رأسه مستجمعاً بعض رشفات من حديث , التفت إليها رآها تجمع حاجياتها وحقيبتها ..
" قالت ببساطة" شكراً لأنك استمعت لي" ابتسمت ثم رحلت !
بعد دقيقتين .. وإذ بصوت بشع عالٍ جداً ..
" هل هناك حادث ما؟! " هرع الدكتور إلى النافذة وفي الأسفل قد تهشمت السيارتان .. أما مريضته فقد توسدت الأرض احمراراً عطرياً !!!
بقلم الكاتبة // لمى ابراهيم
للك سما شام